Monday, October 29, 2012

اياك أعني واسمعي يا جارة



بسم الله الرحمن الرحيم

اياك أعني واسمعي يا جارة

تختلف بيئات العمل باختلاف الأنظمة والقوانين من دولة لأخرى ومن اقتصاد لآخر. فنجد دول توفر كافة التسهيلات من أجل الحصول على بيئة عمل صحية للاستثمار التجاري تعود بالنفع على الاقتصاد والمواطن. وفي المقابل نجد دول اخرى تصعب كل عمل يؤدي إلى البيئة الصحية للعمل مع توفر كافة الفرص فيها فيعود بذلك الضرر على المواطن قبل الاقتصاد. فمنظومة الاقتصاد والمواطن غير قابلة للتجزؤ فبسقوط الأول من الطبيعي جدا سقوط الاخر. 

في المثال الأول، نجد دول تسهل جميع الأنظمة والإجراءات لافتتاح أي نشاط تجاري ومزاولته تحفيزا للمستثمر. فالقانون يدرس قبل أن يعتمد ومن ثم يطبق على الكبير والصغير على حد سواء فيعرف الجميع حقوقهم وواجباتهم ويلتزمون بذلك. فبوضوح القانون وتطبيقه تزيد ثقة المستثمر والمستهلك فينشط الاقتصاد فنجد بذلك بيئة عمل صحية ومحفزة تؤدي إلى ابتكارات جديدة وتقنيات جديدة ومشاريع كثيرة جديدة! ايضا نرى بذلك، فرص عمل كثيرة أي بطالة قليلة، دورات مالية كبيرة وسوق عمل منظم وكبير بعود بالنفع على المواطن والاقتصاد.

أما في المثال الثاني، فحدث ولا حرج... فالأنظمة والقوانين تتفانى في التضييق على المنشئات الصغيرة والمتوسطة لإجبارها بالخروج من السوق. ويكون ذلك برفع التكاليف عليها وتقليل هامش الربح عن طريق أنظمة "بائتة" لا تسمن ولا تغني من جوع مما يجبرها على الاستعانة بخدمات المنشآت الكبيرة "والباهظة الثمن" مما يزيد الربح بشكل مهول لدى المنشآت الكبيرة ويقلله لدى غيرها. فبفعل النظام تقتل المنافسة لخروج الكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة من السوق  أي بمعنى أصح "الغني يزيد غناً والفقير يزيد فقراً". علمًا أن المتضرر الأول من ذلك هو المواطن والاقتصاد فمن أبجديات الاقتصاد وفقًا "للبنك الدولي" أن اقتصاد الدول يستمد كامل قوته من المنشآت الصغيرة والمتوسطة قبل الكبيرة كون أن نسبة الصرف مقابل التوفير لديها أكبر (الدورة المالية) على عكس المنشآت الكبيرة والذي يزيد لديها الفائض فيزيد التوفير فبذلك تقل السيولة في السوق.

وباختلاف الاقتصاد في المثالين أعلاه تختلف النتائج. ففي المثال الأول، النظام مطبق على الجميع مما يؤدي إلى بيئة عمل منظمة وتنافسية تماما تعود بالنفع على الاقتصاد والمواطن ينتج عنها سعر معقول وعادل للسلع تفرضه المنافسة (فالتكاليف موزعة بشكل عادل على جميع الأطراف). أما في المثال الاخر، فنجد أن جميع الأنظمة تصب في مصلحة فئة معينة لا تعود بالنفع على سواهم عن طريق زيادة التكاليف وتحويلها بالكامل على المواطن (المستهلك) عن طريق أسعار سلع لا يفرضها سوى الجشع نتيجة نظام فاسد يطبق على الصغير والصغير فقط!

فإلى أين السعي؟

Monday, May 21, 2012

جنون التبعّية


بسم الله الرحمن الرحيم

جنون التبعيّة

التبعية هي الفشل في رسم مسار معين والسعي فيه لإدراك هدف ما يراد تحقيقه. وتعود أسباب الفشل في أمور يخرجها الشخص بنفسة عن محض ارادته بعدم السعي نحو أهدافه والبحث عن سبل تحقيقها. ويكون ذلك بتوكيل اشخاص اخرين لاتخاذ القرارات عنه ورسم مسار حياته. فبذلك لا يأخذ الشخص عناء البحث والسعي لتحقيق أهدافه، وفي المقابل لا يصل إلى مبتغاه (ثابت في مكانه). وللتبعية نوعان، تبعية علمية تكون مبنية على علم وأدلة وبراهين وتبعية جاهلية مبنية على اتباع وتقليد أعمى.

          التبعية العلمية هي كل اتباع مبني على علم شرعي مشروط بثبوت الحجة، ويكون ذلك عن طريق التحري في طلب المعلومة وسؤال أهل العلم عنها ومن ثم الشروع في الأمر. فقد ميزنا الله سبحانه وتعالى بنعمة العقل، والتي يجب شكره عليها والاستفادة منها في تمييز الأمور ومن ثم الاختيار وإلا لما ميزنا الله بها عن غيرنا من المخلوقات. وهذا الاتباع يكون وفق معايير معينه أهمها وجود الدليل القاطع كاتباع الله ورسوله كما جاء في القران الكريم (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}الحشر:7}

          أما التبعية الجاهلية والتي هي أشبه بالتقليد الأعمى والطاعة لأوامر شخص معين – كونه الشخص الفلاني – من غير دليل ولا حجه. فإن قال خيراً، قالوا كذلك، وإن قال شراً قالوا كذلك. وغالباً ما يقع هؤلاء الأتباع ضحايا من اعتقد بنفسة بلوغ مرحلة الكمال وانهم خلفاء الرسل، فيكون حالهم أشبه بمن قال الله عنهم في كتابه العزيز (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) }البقرة:{170 وهذا النوع من الأشخاص يسلب من نفسه حق الاختيار ويكون أشبه بالمُسَيَر فقد اختار ان يسلم القيادة لشخص ما ليقرر عنه باقي امور حياته. مثال ذلك:- المتصل الذي سأل "الشيخ المزعوم" والذي يظن فيه العلم العظيم، عن زوجته التي سافرت من غير علمه، فأمره "الشيخ" – على حد قوله – بطلاق زوجته! فلم يلبث المتصل إلا وأن أشهد "الشيخ" والمستمعين خبر طلاق الزوجة. المثال الاخر:- ذلك الداعية صاحب التفسير الخاطئ لحديث: ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) فالمفسّر في هذه الحالة فسّر الحديث "على هواه" على حد قول سماحة الشيخ صالح الفوزان خصوصاً وأن المفسّر هو أقرب أن يكون داعية أو واعظ من أن يكون فقيه تصل به المرحلة للتشريع وتفسير الاحاديث ولكن حديثي هنا ليس عن "الشيخ" ولا "المفسّر" بل عن الأتباع العمي الذين لم يلبثوا لحظه في تصديق ما جاء به "الشيخ" في مثالنا الأول و "المفسر" في مثالنا الثاني. فالشخص الأول طلق زوجته بناء على أمر شخص ما بدون أن يبحث عن الحجة، عفواً بل "الشيخ" هنا هو الذي طلق زوجة الرجل عن الرجل بعد ان استلم زمام الامور وتولى القيادة والاخرون صدقوا ما جاء به "المفسر" في مثالنا الثاني، بدون السؤال عن التفسير والتحري وراء ذلك، حتى أتت الحجه من أهل العلم.

          وتعود أسباب التبعية الجاهلية في مجتمعنا إلى أكثر من أمر، أهمها الخوف من اتخاذ القرار، فبذلك يكون التوكيل لأي شخص مستعد لاتخاذ القرار، لهذا تم استحداث مقولة "حط بينك وبين ربي مطوع" وان دلت هذه المقولة فهي تدل على جهل قائلها، ومصدقها والعامل بها. فعلى من يقع الخطأ في الحالات المذكورة سابقاً؟ "فالشيخ" في مثالنا الأول "والمفسّر" في مثالنا الاخر هم بشر، وكل بني آدم خطاء وإن كانوا يتحملون جزء من الخطأ ولكن الخطأ الأكبر يعود على ذلك الجاهل الذي صور لنا أفضل مثال في الاتباع الجاهلي بعد أن شرع في الطلاق وعلى كل من اتبع شخصاً اخراً من دون البحث والتحري عن المعلومة والتقصي وراءها سواء كان "صاحب الهوى" عفواً "المفسر" أو غيره من الناس.  
   

إن أصبت فمن الله وإن اخطأت فمني ومن الشيطان... اللهم لا تجعلنا ممن قلت عنهم في كتابك } أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا{

Sunday, February 26, 2012

ادعاء المعرفة


بسم الله الرحمن الرحيم

ينقسم الانتقاد بشكل عام إلى نوعين الأول يكون بناء ويهدف إلى إصلاح أمر معين عند شخص ما، والآخر يكون هدام لا يوجد له أي هدف ولا يعرف له أصل. وفي الآونة الأخيرة كثر الانتقاد الهدام من شريحة كبيرة من المجتمع. فتجد هذه الشريحة دوما ما تنتقد أفعال الناس أياً كانت. تصرفاتهم، طريقة تعاملهم، أساليب حياتهم، حتى يصلون إلى ملبوساتهم. وآخر صرعة توصلت لها تلك الشريحة هي نقد أساليب التربية عند الأهل وباقي الأمور الحياتية، مع العلم أن معظم أفراد تلك الشريحة لم يتجاوز العقد الثالث من عمره. فما هي الأسباب، ومن هي تلك الفئة، وهل للتربية علاقة في ذلك!؟

الفئة هي كما ذكرت شريحة معينة من الشباب يظنون في أنفسهم أنهم هم المجددون وعلى أياديهم سيحصل التغيير ولا يقبلون أن يخالفهم أحد في الرأي والأمور لديهم لا تقبل أكثر من إجابة والأدهى والأمر أنهم يجدون في أنفسهم الكمال وكأنهم منزلين من السماء. فتجدهم ينتقدون هذا لعملة وذاك لعلمه وينتقصون من تلك لطريقة لبسها فالنقد والاستنقاص لديهم لا يتوقف على شيء معين أو مجال معين. وأفراد هذه الشريحة يعتدون بأنفسهم اعتداداً يسمى بالاعتداد الذميم بالنفس مما يجبرهم على الصعود على أكتاف الآخرين بأي طريقة كانت بهدف البروز. كما انه نقص مستفحل نتيجة الشعور بعدم الرضا عن النفس علاجه صعب أقرب منه إلى المستحيل. وغالب نقاشات هذه الفئة هي أمور حياتية لا يوجد لها طريقة صحيحة أو خاطئة ولو حاججتهم لما وجدت لديهم حجة أو دليل أو برهان.

أما السبب الرئيسي وراء بروز مثل هذه الشريحة هي التربية (ولا نتحدث عن أساليب التربية بشكل خاص) بل نتحدث عن أمور أثرت في معايير وموازين التربية. فمثلا التغير المفاجئ في الوضع المادي هو سبب لذلك، ردود الفعل الفكرية هي أيضاً سبب آخر لذلك. فتكون تربية الطفل مرت على أكثر من مرحلة وخلال تلك المراحل حدث تغير في مبادئ التربية لدى الأهل قد يؤدي إلى تغيير البيئة المخالطة مما يستدعي إلى بذل جهد أكبر لتقمص شخصية أخرى، فتتغير المبادئ لدى الأصل وتنعدم المفاهيم لدى الفرع. فيكون نتاج هذا التغير أجيال يعيشون في بحر التناقض ويصعب علاجهم كون أن مرضهم انتشر انتشار كبير "وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟" مع أني أجدُ الأمل في أن يصلح العطار من شعر بالداء وقصد الدواء، خاصةً الذي ما مرّ عليه من الدهر كأنه في حساب السنين شهر. فبالتالي لا يوجد حل لتغطية هذا النقص الذي بداخلهم سوى رداء الاستنقاص من الغير.

ولو رجعنا إلى البيئة التي تحيط بهؤلاء الأشخاص سواء كانوا من الأهل أو الأصدقاء لوجدناهم نماذج مكررة من بعضهم البعض. فكلهم يتشاركون في انعدام مفاهيم الاحترام، احترام الأكبر سنا، احترام الأكثر علما...إلخ. ويصل التقيّد بالأصل عندهم إلى حد العدم، فتجد كبيرهم يعبر عن أشخاص قريبين منه بشكل سيء ينقص من قدرهم فيتربى صغيرهم على نفس العادات والتقاليد، فيستنقصون من قدر أناس هم بنفس مستوى القرابة وهم بمثابة آباء وأمهات لهم ولدى الجميع هذا إن لم يقوموا بالتعبير عن مشاعرهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك...