Monday, May 21, 2012

جنون التبعّية


بسم الله الرحمن الرحيم

جنون التبعيّة

التبعية هي الفشل في رسم مسار معين والسعي فيه لإدراك هدف ما يراد تحقيقه. وتعود أسباب الفشل في أمور يخرجها الشخص بنفسة عن محض ارادته بعدم السعي نحو أهدافه والبحث عن سبل تحقيقها. ويكون ذلك بتوكيل اشخاص اخرين لاتخاذ القرارات عنه ورسم مسار حياته. فبذلك لا يأخذ الشخص عناء البحث والسعي لتحقيق أهدافه، وفي المقابل لا يصل إلى مبتغاه (ثابت في مكانه). وللتبعية نوعان، تبعية علمية تكون مبنية على علم وأدلة وبراهين وتبعية جاهلية مبنية على اتباع وتقليد أعمى.

          التبعية العلمية هي كل اتباع مبني على علم شرعي مشروط بثبوت الحجة، ويكون ذلك عن طريق التحري في طلب المعلومة وسؤال أهل العلم عنها ومن ثم الشروع في الأمر. فقد ميزنا الله سبحانه وتعالى بنعمة العقل، والتي يجب شكره عليها والاستفادة منها في تمييز الأمور ومن ثم الاختيار وإلا لما ميزنا الله بها عن غيرنا من المخلوقات. وهذا الاتباع يكون وفق معايير معينه أهمها وجود الدليل القاطع كاتباع الله ورسوله كما جاء في القران الكريم (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}الحشر:7}

          أما التبعية الجاهلية والتي هي أشبه بالتقليد الأعمى والطاعة لأوامر شخص معين – كونه الشخص الفلاني – من غير دليل ولا حجه. فإن قال خيراً، قالوا كذلك، وإن قال شراً قالوا كذلك. وغالباً ما يقع هؤلاء الأتباع ضحايا من اعتقد بنفسة بلوغ مرحلة الكمال وانهم خلفاء الرسل، فيكون حالهم أشبه بمن قال الله عنهم في كتابه العزيز (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ) }البقرة:{170 وهذا النوع من الأشخاص يسلب من نفسه حق الاختيار ويكون أشبه بالمُسَيَر فقد اختار ان يسلم القيادة لشخص ما ليقرر عنه باقي امور حياته. مثال ذلك:- المتصل الذي سأل "الشيخ المزعوم" والذي يظن فيه العلم العظيم، عن زوجته التي سافرت من غير علمه، فأمره "الشيخ" – على حد قوله – بطلاق زوجته! فلم يلبث المتصل إلا وأن أشهد "الشيخ" والمستمعين خبر طلاق الزوجة. المثال الاخر:- ذلك الداعية صاحب التفسير الخاطئ لحديث: ( وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك ) فالمفسّر في هذه الحالة فسّر الحديث "على هواه" على حد قول سماحة الشيخ صالح الفوزان خصوصاً وأن المفسّر هو أقرب أن يكون داعية أو واعظ من أن يكون فقيه تصل به المرحلة للتشريع وتفسير الاحاديث ولكن حديثي هنا ليس عن "الشيخ" ولا "المفسّر" بل عن الأتباع العمي الذين لم يلبثوا لحظه في تصديق ما جاء به "الشيخ" في مثالنا الأول و "المفسر" في مثالنا الثاني. فالشخص الأول طلق زوجته بناء على أمر شخص ما بدون أن يبحث عن الحجة، عفواً بل "الشيخ" هنا هو الذي طلق زوجة الرجل عن الرجل بعد ان استلم زمام الامور وتولى القيادة والاخرون صدقوا ما جاء به "المفسر" في مثالنا الثاني، بدون السؤال عن التفسير والتحري وراء ذلك، حتى أتت الحجه من أهل العلم.

          وتعود أسباب التبعية الجاهلية في مجتمعنا إلى أكثر من أمر، أهمها الخوف من اتخاذ القرار، فبذلك يكون التوكيل لأي شخص مستعد لاتخاذ القرار، لهذا تم استحداث مقولة "حط بينك وبين ربي مطوع" وان دلت هذه المقولة فهي تدل على جهل قائلها، ومصدقها والعامل بها. فعلى من يقع الخطأ في الحالات المذكورة سابقاً؟ "فالشيخ" في مثالنا الأول "والمفسّر" في مثالنا الاخر هم بشر، وكل بني آدم خطاء وإن كانوا يتحملون جزء من الخطأ ولكن الخطأ الأكبر يعود على ذلك الجاهل الذي صور لنا أفضل مثال في الاتباع الجاهلي بعد أن شرع في الطلاق وعلى كل من اتبع شخصاً اخراً من دون البحث والتحري عن المعلومة والتقصي وراءها سواء كان "صاحب الهوى" عفواً "المفسر" أو غيره من الناس.  
   

إن أصبت فمن الله وإن اخطأت فمني ومن الشيطان... اللهم لا تجعلنا ممن قلت عنهم في كتابك } أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآَهُ حَسَنًا{