بسم الله الرحمن الرحيم
ينقسم الانتقاد بشكل عام إلى نوعين الأول يكون بناء ويهدف إلى إصلاح أمر معين عند شخص ما، والآخر يكون هدام لا يوجد له أي هدف ولا يعرف له أصل. وفي الآونة الأخيرة كثر الانتقاد الهدام من شريحة كبيرة من المجتمع. فتجد هذه الشريحة دوما ما تنتقد أفعال الناس أياً كانت. تصرفاتهم، طريقة تعاملهم، أساليب حياتهم، حتى يصلون إلى ملبوساتهم. وآخر صرعة توصلت لها تلك الشريحة هي نقد أساليب التربية عند الأهل وباقي الأمور الحياتية، مع العلم أن معظم أفراد تلك الشريحة لم يتجاوز العقد الثالث من عمره. فما هي الأسباب، ومن هي تلك الفئة، وهل للتربية علاقة في ذلك!؟
الفئة هي كما ذكرت شريحة معينة من الشباب يظنون في أنفسهم أنهم هم المجددون وعلى أياديهم سيحصل التغيير ولا يقبلون أن يخالفهم أحد في الرأي والأمور لديهم لا تقبل أكثر من إجابة والأدهى والأمر أنهم يجدون في أنفسهم الكمال وكأنهم منزلين من السماء. فتجدهم ينتقدون هذا لعملة وذاك لعلمه وينتقصون من تلك لطريقة لبسها فالنقد والاستنقاص لديهم لا يتوقف على شيء معين أو مجال معين. وأفراد هذه الشريحة يعتدون بأنفسهم اعتداداً يسمى بالاعتداد الذميم بالنفس مما يجبرهم على الصعود على أكتاف الآخرين بأي طريقة كانت بهدف البروز. كما انه نقص مستفحل نتيجة الشعور بعدم الرضا عن النفس علاجه صعب أقرب منه إلى المستحيل. وغالب نقاشات هذه الفئة هي أمور حياتية لا يوجد لها طريقة صحيحة أو خاطئة ولو حاججتهم لما وجدت لديهم حجة أو دليل أو برهان.
أما السبب الرئيسي وراء بروز مثل هذه الشريحة هي التربية (ولا نتحدث عن أساليب التربية بشكل خاص) بل نتحدث عن أمور أثرت في معايير وموازين التربية. فمثلا التغير المفاجئ في الوضع المادي هو سبب لذلك، ردود الفعل الفكرية هي أيضاً سبب آخر لذلك. فتكون تربية الطفل مرت على أكثر من مرحلة وخلال تلك المراحل حدث تغير في مبادئ التربية لدى الأهل قد يؤدي إلى تغيير البيئة المخالطة مما يستدعي إلى بذل جهد أكبر لتقمص شخصية أخرى، فتتغير المبادئ لدى الأصل وتنعدم المفاهيم لدى الفرع. فيكون نتاج هذا التغير أجيال يعيشون في بحر التناقض ويصعب علاجهم كون أن مرضهم انتشر انتشار كبير "وهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟" مع أني أجدُ الأمل في أن يصلح العطار من شعر بالداء وقصد الدواء، خاصةً الذي ما مرّ عليه من الدهر كأنه في حساب السنين شهر. فبالتالي لا يوجد حل لتغطية هذا النقص الذي بداخلهم سوى رداء الاستنقاص من الغير.
ولو رجعنا إلى البيئة التي تحيط بهؤلاء الأشخاص سواء كانوا من الأهل أو الأصدقاء لوجدناهم نماذج مكررة من بعضهم البعض. فكلهم يتشاركون في انعدام مفاهيم الاحترام، احترام الأكبر سنا، احترام الأكثر علما...إلخ. ويصل التقيّد بالأصل عندهم إلى حد العدم، فتجد كبيرهم يعبر عن أشخاص قريبين منه بشكل سيء ينقص من قدرهم فيتربى صغيرهم على نفس العادات والتقاليد، فيستنقصون من قدر أناس هم بنفس مستوى القرابة وهم بمثابة آباء وأمهات لهم ولدى الجميع هذا إن لم يقوموا بالتعبير عن مشاعرهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي وما إلى ذلك...